كيف تتحدث مع طفلك عن جائحة الكورونا؟

مدخل إلى التواصل التربوي خلال الأزمات الصحية

لقد فرضت جائحة فيروس كورونا المستجد (COVID-19) تحديات غير مسبوقة على مختلف جوانب الحياة، بدءًا من الاقتصاد وصولًا إلى أنماط الحياة اليومية والعلاقات الاجتماعية. ولكن أحد أكثر الجوانب حساسية في هذه الأزمة كان ما يتعلق بالأطفال وكيفية إدراكهم لهذا الحدث المفاجئ. فالعالم الذي كانوا يعرفونه تغيّر فجأة: توقفت المدارس، فُرضت إجراءات الحظر، ارتدى الجميع أقنعة، وبدأ الكبار يتحدثون بكثرة عن المرض والموت والخوف.

في ظل هذه التحولات، أصبح من الضروري أن يتحلى الآباء والمربون بالوعي الكافي لاحتواء مشاعر الأطفال، وتوفير بيئة نفسية مستقرة تتيح لهم فهم ما يحدث بطريقة تتناسب مع قدراتهم العقلية والعاطفية، بعيدًا عن التهويل أو التجاهل. ويمثل هذا المقال خريطة شاملة تساعد على بناء حوار صحي مع الطفل حول جائحة كورونا، من خلال توظيف الأدوات التربوية والنفسية السليمة.

الفهم النفسي لسلوك الطفل أثناء الأزمات

الطفل لا يملك نفس أدوات التحليل أو التفسير التي يمتلكها الكبار، لكنه يمتلك قدرة كبيرة على الملاحظة والتأثر. فالعواطف التي يبثها الأهل، حتى وإن لم تُقال بشكل مباشر، تنتقل إليه وتؤثر في سلوكياته. في أوقات الأزمات، مثل الجائحة، قد تظهر على الطفل أعراض مثل:

• التعلق المفرط بالوالدين

• القلق أو الخوف من الانفصال

• اضطرابات في النوم أو الأكل

• العدوانية أو الانسحاب

• تكرار الأسئلة حول الصحة أو الموت

كل هذه المؤشرات تستدعي التعامل بحذر ووعي، لا بالتوبيخ أو التجاهل. إن الحوار المفتوح والداعم هو الطريق الأفضل لتخفيف حدة التوتر لدى الطفل ومساعدته على التأقلم.

أهمية التوقيت والأسلوب في بدء الحديث

اختيار الوقت المناسب للحديث مع الطفل لا يقل أهمية عن فحوى الحديث ذاته. يجب أن يتم في لحظة يشعر فيها الطفل بالهدوء والطمأنينة، ويفضل أن يكون في بيئة مألوفة وغير مشحونة.

أما الأسلوب، فيجب أن يكون بسيطًا، مباشرًا، وصادقًا، دون تهويل أو ترويع. استخدام لغة مفهومة وملائمة لعمر الطفل أساسي، مع الحرص على تفسير المصطلحات الجديدة مثل “فيروس”، “جائحة”، “حجر صحي”، أو “لقاح”، بطريقة تسهل عليه الربط بينها وبين عالمه اليومي.

توضيح مفهوم الجائحة بلغة الأطفال

من المفيد تبسيط المفاهيم العلمية بطريقة تساعد الطفل على الفهم دون تحميله معلومات طبية معقدة. يمكن القول مثلًا:

“في بعض الأحيان، تنتشر الجراثيم أو الفيروسات التي تسبب المرض بين الناس، مثلما يحدث عندما ينتشر الزكام في المدرسة. لكن فيروس كورونا كان جديدًا وقويًا، ولذلك قرر الأطباء والعلماء أن نحمي أنفسنا ونقلل اللقاءات حتى يكتشفوا دواءً له.”

استخدام الأمثلة الحياتية التي يعرفها الطفل، كالزكام أو الأنفلونزا، يسهل عليه الربط بين ما يعرفه وما يحدث.

دعم الطفل عاطفيًا أثناء الجائحة

الأمان العاطفي هو ما يبحث عنه الطفل في مثل هذه الأوقات. دور الأهل يتمثل في:

• الطمأنة: توضيح أن الكبار يعملون بجد لحماية الجميع.

• الاحتواء: السماح للطفل بالتعبير عن مشاعره دون إصدار أحكام.

• الاستماع الفعّال: إعطاء الطفل المساحة ليعبّر، حتى وإن كانت أسئلته تبدو متكررة أو مزعجة.

• تقديم نموذج إيجابي: تصرفات الوالدين المتزنة تعطي الطفل شعورًا بالأمان والاستقرار.

أهمية الصدق دون إثقال بالمخاوف

الصدق لا يعني نقل جميع التفاصيل المقلقة. يجب إيصال المعلومات بدرجة مناسبة من الواقعية، مثلًا إذا سأل الطفل عن سبب ارتداء الأقنعة، يمكن الرد:

“نرتدي الأقنعة لنمنع الجراثيم من الانتقال، حتى لا نمرض أو ننقل العدوى لأحد نحبّه.”

أما في حال وقوع أحداث صعبة مثل وفاة أحد الأقارب بسبب الفيروس، يجب إخبار الطفل بذلك بلغة رقيقة، موضحة أن الموت جزء من الحياة، وأن الجميع يشعر بالحزن، وأنه من الطبيعي أن نحزن عندما نفقد شخصًا نحبه.

شرح الإجراءات الاحترازية كأفعال إيجابية

ينبغي تقديم الإجراءات الوقائية مثل غسل اليدين، التباعد الاجتماعي، أو ارتداء الكمامة كوسائل ذكية لحماية النفس والآخرين، وليس كعقوبات مفروضة. هذا يعزز الشعور بالتحكم والسيطرة لدى الطفل، ويجعله جزءًا من الحل بدلًا من أن يشعر بأنه ضحية للظروف.

يمكن دعم هذه الإجراءات بنشاطات ممتعة، مثل:

• تخصيص وقت لغناء أغنية أثناء غسل اليدين

• تصميم كمامات بألوان ورسومات يحبها الطفل

• جعل التباعد الاجتماعي لعبة يفهم من خلالها كيف نحمي أنفسنا والآخرين

استخدام القصص والألعاب لتقريب المفاهيم

القصص المصورة، والكتب التعليمية التفاعلية، وحتى الرسوم المتحركة، يمكن أن تكون أدوات فعّالة لتوضيح ما يحدث بطريقة مرئية محببة للأطفال. يمكن أن تتناول هذه القصص موضوعات مثل: الفيروسات، أهمية النظافة، زيارة الطبيب، أو الحياة في فترة الحجر.

الألعاب التمثيلية (مثل تمثيل دور الطبيب أو المريض) تساعد الطفل على استكشاف مشاعره والتعبير عنها بطرق آمنة.

تهيئة الطفل للعودة إلى الحياة الطبيعية بعد الجائحة

بعد تخفيف الإجراءات أو انتهاء حالة الطوارئ، يحتاج الطفل إلى تأقلم تدريجي مع التغيرات الجديدة. الانتقال من التعليم عن بعد إلى المدرسة الحضورية، أو من العزلة إلى التفاعل الاجتماعي، قد يكون مرهقًا نفسيًا.

من المهم في هذه المرحلة:

• التحدث عن التغيرات المتوقعة مقدمًا

• دعم الطفل في إعادة بناء علاقاته الاجتماعية

• احترام مشاعره إذا أبدى خوفًا أو توترًا

• الاستمرار في الإجراءات الوقائية دون إثارة الهلع

دعم السلوكيات الصحية والوقائية كعادات يومية

الهدف من توعية الطفل بالجائحة لا يقتصر على تخفيف خوفه، بل يمتد لبناء سلوكيات صحية تصاحبه مدى الحياة. يمكن تحويل الإجراءات الصحية إلى جزء من روتينه اليومي، مثل:

• غسل اليدين بعد العودة من الخارج

• تغطية الفم أثناء السعال

• استخدام المناديل الورقية

• الاهتمام بالنظافة الشخصية

هذه العادات تسهم في تعزيز صحته الجسدية والنفسية على المدى الطويل.

دور المدرسة والإعلام في دعم الحوار الأسري

لا يقتصر العبء على الأسرة وحدها. المدارس ووسائل الإعلام الموجهة للأطفال تلعب دورًا تكميليًا. يجب أن تكون الرسائل الإعلامية الموجهة للطفل مدروسة، لا تثير الفزع، وتستند إلى علم النفس التربوي.

أما في المدارس، فمن الضروري أن تتبنى الإدارات نهجًا داعمًا، يوفر للطفل مساحة للتعبير والمشاركة، ويوظف الأنشطة الصفية والمواد البصرية لإيصال الرسائل الصحية والنفسية المناسبة.

الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة والتواصل حول الجائحة

الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، سواء كانت إعاقات ذهنية، سمعية أو توحد، يحتاجون إلى أساليب تواصل خاصة. استخدام البطاقات المصورة، لغة الإشارة، التكرار، والروتين الثابت، من شأنه أن يخفف من قلقهم ويعزز شعورهم بالأمان.

كما أن مشاركتهم في الأنشطة اليومية، مثل تنظيف الأسطح أو تنظيم أدوات النظافة، يجعلهم يشعرون بالانخراط والفائدة.

جدول يوضح أساليب التواصل حسب الفئة العمرية

الحفاظ على الصحة النفسية للطفل خلال الجائحة

الحديث عن الجائحة لا يجب أن يطغى على الحياة اليومية للطفل. يجب أن تستمر لحظات اللعب، المرح، التعبير الفني، والنوم المنتظم. الحفاظ على الروتين في أوقات الاضطراب أمر أساسي في تحقيق التوازن النفسي للطفل.

كما أن رصد أي تغيرات حادة في السلوك، مثل الانطواء أو نوبات الغضب المتكررة، يجب أن يقابل باستشارة مختص نفسي إن لزم الأمر.

ختامًا: نحو تربية قائمة على الوعي والاحتواء

إن التعامل مع الطفل في سياق جائحة كورونا يتطلب وعيًا نفسيًا وتربويًا متقدمًا، يجمع بين الصدق والرحمة، بين العلم والإنسانية. فالطفل الذي يشعر بالأمان والفهم في وقت الأزمات، هو نفسه الذي سيكون شخصًا سويًا، قادرًا على مواجهة التحديات المستقبلية بثقة وثبات.

المصادر:

1. منظمة الصحة العالمية (WHO): دليل دعم الصحة النفسية للأطفال أثناء جائحة كورونا

2. اليونيسيف (UNICEF): التواصل مع الأطفال خلال الأزمات